القوة النووية للهند وباكستان تعتبر من أبرز العوامل الجيوسياسية في جنوب آسيا، حيث تمتلك كلتا الدولتين ترسانات نووية تشكل تهديدًا كبيرًا للاستقرار الإقليمي والعالمي. سأقدم لك نظرة موجزة عن القوتين النوويتين وتداعيات استخدام الأسلحة النووية.
القوة النووية الهندية
النشأة: أجرت الهند أول تجربة نووية ناجحة في عام 1974 ("سميلينغ بودا")، وتبعتها بتجارب أخرى في 1998، مما جعلها دولة نووية معلنة.
الترسانة: تقدر ترسانتها النووية بحوالي 160-170 رأسًا نوويًا (حتى 2025)، مع تطوير مستمر للصواريخ الباليستية مثل "أغني" (Agni) التي يمكنها حمل رؤوس نووية وتصل مدياتها إلى 5,000 كم أو أكثر.
القدرات: تمتلك الهند ثالوثًا نوويًا (بري، بحري، جوي)، بما في ذلك غواصات نووية مثل "INS Arihant" وقاذفات مثل "رافال" و"سوخوي". كما تطور أنظمة دفاع صاروخي.
السياسة: تتبع الهند سياسة "عدم الاستخدام الأول" (No First Use) لكنها تحتفظ بحق الرد النووي المدمر في حال تعرضت لهجوم نووي.
القوة النووية الباكستانية
النشأة: أجرت باكستان تجاربها النووية الأولى في 1998 ردًا على تجارب الهند، معلنة نفسها قوة نووية.
الترسانة: تمتلك حوالي 170-180 رأسًا نوويًا (حتى 2025)، مع التركيز على صواريخ باليستية قصيرة ومتوسطة المدى مثل "غوري" و"شاهين"، بالإضافة إلى أسلحة نووية تكتيكية.
القدرات: تركز باكستان على الردع ضد الهند، مع قدرات نووية برية وجوية، ولكنها تفتقر حاليًا إلى ثالوث نووي كامل (البحرية محدودة). كما تمتلك صواريخ كروز مثل "بابر".
السياسة: لا تتبع باكستان سياسة "عدم الاستخدام الأول"، وتؤكد استعدادها لاستخدام الأسلحة النووية إذا شعرت بتهديد وجودي، حتى لو كان تقليديًا.
التوازن والتوترات
التنافس: كلا البلدين في حالة تنافس نووي مستمر، مع تركيز على تحديث الترسانات وزيادة الدقة والمدى. التوترات المستمرة، خاصة حول كشمير، تزيد من مخاطر التصعيد.
الردع: يعتمد الاستقرار الإقليمي على الردع المتبادل (MAD: Mutual Assured Destruction)، حيث يدرك كل طرف أن استخدام الأسلحة النووية سيؤدي إلى دمار متبادل.
تداعيات استخدام الأسلحة النووية
إذا استخدمت الهند أو باكستان الأسلحة النووية، فإن العواقب ستكون كارثية على المستويات التالية:
الخسائر البشرية والمادية:
المنطقة: تبادل نووي محدود (مثل استهداف المدن الكبرى) قد يؤدي إلى مقتل ملايين الأشخاص في غضون ساعات، مع دمار مدن مثل دلهي، مومباي، كراتشي، أو إسلام آباد.
الإشعاع: التلوث الإشعاعي سيجعل مناطق واسعة غير صالحة للسكن لعقود، مما يؤدي إلى أزمات إنسانية هائلة.
الآثار البيئية:
الشتاء النووي: دراسات (مثل تلك من جامعة روتجرز) تشير إلى أن حربًا نووية بين الهند وباكستان قد تطلق 15-50 مليون طن من السخام إلى الغلاف الجوي، مما يتسبب في انخفاض درجات الحرارة العالمية بمقدار 1-2 درجة مئوية لسنوات. هذا سيؤدي إلى:
النظام البيئي: التلوث الإشعاعي سيؤثر على المياه، التربة، والحياة البرية.
التداعيات العالمية:
الاقتصاد: انهيار الأسواق العالمية بسبب توقف التجارة في جنوب آسيا، وهي منطقة حيوية اقتصاديًا.
الأمن: تصعيد محتمل يشمل قوى عالمية مثل الصين، الولايات المتحدة، أو روسيا، خاصة إذا شعرت أي منها بتهديد مصالحها.
اللاجئون: ملايين اللاجئين سيحاولون الفرار من المناطق المتضررة، مما يضع ضغطًا هائلاً على الدول المجاورة.
السياسة الدولية:
قد يؤدي استخدام الأسلحة النووية إلى إعادة تقييم عالمي للأسلحة النووية، مع دعوات لنزع السلاح أو، على العكس، سباق تسلح جديد.
الأمم المتحدة ومجلس الأمن سيواجهان ضغوطًا للتدخل، لكن فعاليتهما قد تكون محدودة في مواجهة كارثة بهذا الحجم.
كيفية تجنب الكارثة؟
الدبلوماسية: تعزيز الحوار بين الهند وباكستان، بوساطة دولية إذا لزم الأمر.
الاتفاقيات: توسيع الاتفاقيات الثنائية لتقليل مخاطر سوء التقدير، مثل إخطار مسبق بإطلاق الصواريخ.
التعاون الدولي: ضغط المجتمع الدولي لدعم نزع السلاح النووي أو الحد من الترسانات.
الخلاصة
القوة النووية للهند وباكستان تشكل توازنًا هشًا يعتمد على الردع المتبادل. استخدام الأسلحة النووية، حتى في نطاق محدود، سيؤدي إلى كارثة إنسانية وبيئية ذات تداعيات عالمية. الوقاية تتطلب جهودًا دبلوماسية مكثفة وتعاونًا دوليًا لضمان عدم تحول هذا السيناريو إلى حقيقة.